#مقال | فهد توفيق الهندال: أُمّنا الأرض

فن وثقافة

الآن 1172 مشاهدات 0


أيهما يشكل قدر الآخر .. الإنسان أم الأرض ؟

في رائعته المذهلة ( الحرام )، طرح الأديب الراحل يوسف إدريس
قضية الأرض من خلال ” الترحيلة ” وقد انتشرت في زمن الاقطاعيات الزراعية في مصر، حيث يُستأجر الفلاحون من قراهم البعيدة للعمل في أراضي غيرهم في قرى أخرى، ولم تكن عزيزة تلك المرأة التي حملت سفاحا بعد الاعتداء عليها، سوى قدرا لمن تلده الأرض الغريبة بعدما نفتها أرضها الأم العاجزة عن احتضانها وتبنيها، برغم أنها ضحية الجرم الذي وقع عليها، وقد تكون متواطئة لصمتها لحظة الضعف، وهي التي هجرها زوجها بسبب مرض عضال أصابه ، فكان لها أن تدفع ثمن الخطيئة بكل الأحوال في نهاية الأمر بعدما خنقت وليدها في أرض غريبة كانت خصبة للحياة والموت، وهنا المفارقة !

في تشابك آخر،  
نجد قصة الفيلم الهندي ” أمنا الهند ” للمخرج محبوب خان الذي أخرجه سنة 1957 ، حيث تدور قصته
حول امرأة تتزوج من رجل
فلاح ميسور الحال، يملك أرضاً خصبة، يتراجع حصاده مع مرور السنوات بعدما بذل كل ماله
في خدمة قريته وأهلها، ليصبح بعدها واحداً من محتاجيها. فيقرر العمل مع زوجته في أرضه
 لوحده، حتى يتعرض لحادث قطع ذراعيه  بسبب صخرة كبيرة اعترضت همته وحلمه في استصلاح أرضه واسترجاع وضعه السابق،
لتدمر بعدها الفيضانات منزلهما، فيهجر البيت مخلفاً زوجة وولدين. فتصبح الأم ربة البيت بكل همومه وأحلامه، وتعيش حياة صعبة يتقاسمها معها ولداها وقد انقسما خلقا ومنطقا في الحياة. ومثلما كانت الأم الأرض الخصبة لهما، كانت المثوى الأخير للابن الضال، الذي وجد في الشر حقا وظنا مبررا في سلب ما يريد وممن يريد.  

في حين، تأتي القصة الثالثة ( الأرض ) للكاتب عبدالرحمن الشرقاوي وقدمها للسينما يوسف شاهين، و تدور أحداثها في إحدى القرى المصرية
عام 1933
عندما يفاجأ أهلها بقرار حكومي
بتقليل نوبة الري إلى 5 أيام بدلا من 10 أيام، وهو مالا يتسع للجميع، فيبلغ العمدة الفلاحين أن نوبة الري أصبحت مناصفة مع أراضي
الاقطاعي محمود بيك الذي يستغل الموقف
وينصحهم بجمع موافقتهم لمخاطبة السلطات  للتراجع عن قرار تقليل حصص الري ، ليخدعهم ويستغل جهلهم في ابصامهم على كتاب لا يعلمون مضمونه، لينشـأ طريق لسرايته من خلال أرضهـم الزراعيـة ، الأمر الذي استلزم ثورة من الفلاحين يقودهم محمد أبو سويلم، وهو الثائر القديم زمن ثورة عرابي ، فترسل الحكومة قوات الهجانة لتبسط قبضتها ، ويتم انتزاع الأراضي منهم بالقوة،
 ليسحل أبو سويلم عبر أرضه وهو  يحاول التشبث بجذورها
لينتهي
الفيلم بهذا المشهد الرمزي . وكأن قدر البشر ، هي العقدة الأكثر تعقيدا وغموضا في كشف علاقتهم مع الأرض .

هكذا اذن، علاقة هذا الإنسان مع الأرض، مغترباً، ثابتاً، فهو معذب فيها في كلا الحالتين، فلا الأم الأرض تحنو على وليدها المغترب، بل تحاسبه على ماضيه أينما كان، ولا هي منصفة لمن بقى وصمد ضد الريح العاتية واصفرار الزمن المر. فاليباب ليس بالأرض وحدها، بل بها وبانسانها:

لا ماء هنا…لا شئ سوى الصخر

صخر ولا ماء والطريق الرمليّ
الطريق الذي يتلوى عاليا بين الجبال،

جبال من صخر ولا ماء
لوكان ثمة ماء لتوقفنا وشربنا

بين الصخور لا أحد يسطيع توقفاً أو
تفكيرا جاف هو العرق والأقدام في

الرمل لوكان ثمة ماء بين الصخور
فم جبل هامد ذو أسنان نخرة

لا يمكنه البصاق هنا، المرء لا يسطيع أن يقف أو يتمدد أو يجلس

ليس ثمة حتى صمت في الجبال
بل رعد جاف عقيم بلا مطر

ليس ثمة حتى عزلة في الجبال
بل وجوه حمراء منتفخة، ناخرة

مزمجرة من أبواب منازل طينية متصدعة لو كان ثمة ماء!

—من قصيدة الأرض اليباب لإليوت ترجمة فاضل السلطاني والعاقبة لمن يعقل ويتدبر

تعليقات

اكتب تعليقك